لا أشعر بطعم الصوم؟!!

بين العمل وبين القلب مسافة، وفي تلك المسافة قُطَّاع تمنع وصول العمل إلى القلب، فيكون الرجل كثير العمل، وما وصل منه إلى قلبه محبة ولا خوف ولا رجاء، ولا زهد في الدنيا، ولا رغبة في الآخرة، ولا نور يفرق بين أولياء الله وأعدائه، وبين الحق والباطل، ولا قوة في أمره، فلو وصل أثر الأعمال إلى قلبه؛ لاستنار وأشرق، ورأى الحق والباطل، وميز بين أولياء الله وأعدائه".

  • التصنيفات: ملفات شهر رمضان -

 

السؤال:

أعاني في رمضان من عدم استشعاري لطعم الصيام، وكأنه قد صار عادة عندي وليس عبادة، خصوصًا وأني أتابع الإنترنت أو الفضائيات بما فيهما من الملهيات.. فهل تدلني على نصيحة، علما بأنني لا يمكنني أن أبتعد عن الإنترنت والفضائيات؟

الجواب:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد خاتم النبيين وبعد:

فإن عبادة الصوم كأي عبادة لا بد لاستشعار لذتها، وتذوق طعمها، من حبها، ومعرفة قَدْرها، وثوابها، ومعرفة الطريق إلى ذلك، فهي ليست عملًا مجردًا عبارة عن الامتناع عن الطعام والشراب، وليست عبارة عن ترك الشهوات فحسب.. ولكنها عبادة يملؤها الإخلاص فيغمرها من كل جوانبها؛ لذلك ففي الحديث القدسي: «إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به»، ذلك لأن الله سبحانه هو وحده العالم المطلع الرقيب على تطبيق عملية الصوم كعبادة حقيقية لا كعادة مجردة، وفي رواية لمسلم: «كل عمل ابن أدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي أنا أجزى به يدع شهوته وطعامه من أجلي»، والمعنى هنا أن الصيام يختصه الله سبحانه من بين سائر الأعمال؛ فإنه سر بين الإنسان وربه..
لذا وجدنا رسولنا صلى الله عليه وسلم يحذر فيما رواه أبو داود فيقول: «رب صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش».

وتدبر في هذه النظرة للإمام الجليل ابن القيم حول العمل والعبادة إذ يقول: "فبين العمل وبين القلب مسافة، وفي تلك المسافة قُطَّاع تمنع وصول العمل إلى القلب، فيكون الرجل كثير العمل، وما وصل منه إلى قلبه محبة ولا خوف ولا رجاء، ولا زهد في الدنيا، ولا رغبة في الآخرة، ولا نور يفرق بين أولياء الله وأعدائه، وبين الحق والباطل، ولا قوة في أمره، فلو وصل أثر الأعمال إلى قلبه؛ لاستنار وأشرق، ورأى الحق والباطل، وميز بين أولياء الله وأعدائه".
فإذن لا بد للعبادة من طريق موصول بينها وبن القلب مباشرة؛ لتؤثر فيه وتورثه اللذة والطعم الذي تسأل عنه.

والعبادات أيها السائل الكريم يلزمها نية تستحضرها قبلها، أنها مخلصة لله وحده لا لشيء آخر ولا لأجل مخلوق آخر مهما كان، ولا لأجل متاع دنيوي أو مكتسب حياتي، فهي لله أولًا وآخر?ً، قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:111]، ومن ثم فانظر بعد ذلك كيف كان يصوم النبي صلى الله عليه وسلم وكيف كان يومه في صيامه، وهو يؤدب النفس عن اللغو، والعبث، والضجر، والغضب، والخطأ مهما صغر.

وأن على كل امرئ إذا وجد نفسه قد يندفع في مخالفة ما؛ أن يذكر نفسه بقوله: «إني صائم إني صائم» ثم دعني أهمس في أذنك أيها السائل الكريم، حول ما ذكرت من متابعة للإنترنت أو للفضائيات.. فلا شك أن من مواقع الإنترنت الإسلامية المعتدلة وبعض الفضائيات الإسلامية المفيدة الشيء الكثير من الفائدة والنفع.. وأن من اقتصر على النفع الحلال من كليهما فهو في خير.. ولكن دعني أيضا أحذرك من أن يجرك الشيطان أو يجرك هوى نفسك إلى قضاء أوقاتك فيما يغضب الله سبحانه.

فكيف تكون أنت في غمرة من مشاهدة برامج غثة وممارسات خاطئة، وإخوانك وأصحابك يقيمون الليل في المساجد والبيوت، يراوحون بين جباههم وأقدامهم راجين مغفرة الذنب؟ بل كيف ترضى لنفسك أن تبيع ليلة قد يغفر فيها كل ذنبك ويكتب لك فيها من الخير ما لا تحلم به في عمرك، أن تبيعها بمشاهدة ما يضيع وقتك، ولا يأمرك بخير؟!! أنصحك أن تجعل نفسك مع صحبة من أهل الخير، وأن تصبر نفسك معهم في طاعاتهم في رمضان من قيام وعبادات، وأن تجعل لك مناجاة سرية في وحدتك مع ربك سبحانه لا يطّلع عليها أحد، تتوب فيها من ذنبك وتتبتل فيها لربك وتسأله مما تحب، لعلك تكون من الفائزين في هذا الشهر العظيم.
 

خالد رُوشه